حملات إبادة جماعية، وتوسيع سلطات قوات الأمن، وتعهدات بسحق مسلمي جنوب تايلاند خلال أربع سنوات من قِبَل حكومة رئيس الوزراء (تاكسين شيناواترا) الذي أصدر أوامره لحكومته يوم الخميس 17/2/2005م بدراسة القوانين الأمنية للدول الأخرى، مشيراً إلى القوانين العنصرية في بعض الدول، والتي تسمح باحتجاز المواطنين دون محاكمة بزعم تهديدهم للأمن، على الرغم من أن الدستور التايلاندي يسمح للشرطة باحتجاز المواطنين لمدة 48 ساعة قبل أن تحتاج للحصول على أمر قضائي بمدِّ الاحتجاز لمدة 12 يوماً، إلا أن قوات الشرطة تحبِّذ الأخذ بقوانين أكثر صرامة مثل القوانين السنغافورية؛ لكي تعطيها صلاحية واسعة وغير مقيدة في الاحتجاز لمدد طويلة بدون أمر قضائي أو محاكمة كل ذلك هو عنوان السياسة الإقصائية التي تمارسها سلطات بنكوك ضد نحو 8 ملايين مسلم في الجنوب كل خطيئتهم أنهم يطالبون بحقوقهم التاريخية في مملكة فطاني التي حكمت تايلاند سابقاً؛ وللأسف فإن العالم يشهد بكل منظماته وشعوبه وحكوماته هذه الأمور دون أن يرفع صوتاً معارضاً أو حتى معقباً على تلك السياسة غير الإنسانية. ومنذ منتصف فبراير 2005م شهد ملف مسلمي الجنوب التايلاندي تصعيداً غير مسبوق؛ حيث تعهد (تاكسين شيناواترا) رئيس الحكومة التايلاندية بسحق مسلمي فطاني المطالبين بالاستقلال خلال أربع سنوات؛ وذلك أثناء أول زيارة يقوم بها إلى محافظات البلاد الجنوبية ذات الأغلبية المسلمة منذ فوز حزبه في الانتخابات بفترة ولاية ثانية. وأعلن رئيس الوزراء (تاكسين شيناوترا) أنه سوف يقطع المساعدات المالية للتنمية عــن القـرى التـي يعتقــد أنها متعاطفـة مـع مـــن أســـماهــم بـ «المتمردين»، وأن حكومته ستصنف الجنوب المضطرب إلى ثلاث مناطق: حمراء وصفراء وخضراء؛ ممثلة في ذلك مستويات تعاون أهلها مع سلطات الدولة في التعامل مع ما تصفه الحكومة التايلاندية بالتمرد الواقع. وأوضح أنه من بين1850 قرية بمحافظات تايلاند الجنوبية الثلاث التي تشهد أشد عمليات عنف (ناراتيوات ويالا وباتاني) تعتبر 358 قرية واقعة في نطاق مناطق حمراء لتعاطفها مع الناشطين، وسوف يمنع عنها أي تمويل حكومي، بينما تقع 200 قرية في مناطق صفراء بما يعني وجود مقاومة معتدلة للدولة، أما بقية القرى فيمكن اعتبارها مناطق خضراء يلتزم 90% من سكانها بالقانون ـ حسب مزاعمه ـ وسوف تتمتع هذه بمعظم مساعدات التنمية، تليها في ذلك الصفراء. وأضاف (تاكسين) أن الحكومة سوف تنشر قواتها المسلحة في المنطقة الحمراء فيما وصفه بأنه لحماية السكان الأبرياء، كما حثَّ هؤلاء على الضغط على جيرانهم لتغيير مسلكهم والتقدم بمعلومات تفيد في قمع التمرد وإنهائه.
يذكر أن هذه السياسة سبق تطبيقها في تايلاند لأول مرة أثناء محاربة المد الشيوعي في السبعينيات والثمانينيات في الضغط على أهالي القرى لطرد الناشطين وقطع العلاقات معهم. كما أشار رئيس الوزراء إلى أن حكومته اعتمدت ميزانية إقليمية خاصة للتنمية في الجنوب تولي تركيزاً على إصلاح قطاع المدارس الدينية الإسلامية المنتشرة به، وسوف يتحتم على تلك المدارس من الآن فصاعداً تدريس مناهج المدارس العامة، وتخضع لإشراف وزارة التعليم.
ولعل الآثار الناجمة عن تلك السياسة الإقصائية ستؤدي إلى تقسيم جنوب البلاد إلى مناطق ملونة طبقاً لوصف (تاكسين) مما سيزيد من معاناة الأهالي من التفرقة وتعميق العنف، فضلاً عن إضرارها بالمواطنين الأبرياء في المناطق المغضوب عليها بينما هم من دافعي الضرائب للدولة.
العنف يقابله عنف مضاد
وإزاء هذه التصريحات الاستفزازية صعَّد المسلحون بالجنوب التايلاندي هجماتهم أثناء زيارة رئيس الوزراء (تاكسين شيناواترا) للمنطقة بعد سلسلة من التفجيرات التي تواصلت لمدة أسبوعين قبل وصوله إليها في جولة تمتد ثلاثة أيام، وتشمل محافظات ناراتيوات ويالا وباتاني التي كانت مسرحاً لأشد أحداث العنف طوال العام الأخير الذي راح ضحيته نحو600 من المسلمين. فقد انفجرت مساء الخميس 17/2/2005م قنبلة قوية أمام فندق مارينا بمحافظة ناراتيوات وتسببت في مصرع أربعة أشخاص وجرح أكثر من أربعين آخرين، وكذلك في تدمير وإشعال النيران بالسيارات والدراجات البخارية الموجودة خارج المبنى.
سياسة التعتيم
وفي نفس سياق التعتيم المفروض على قضية المسلمين في الجنوب التايلاندي كان رئيس الوزراء التايلندي تاكسين قد شن هجوماً واسعاً ضد المشاركين في قمة الآسيان التي افتتحت في 29/11/2004م في لاوس مهدداً بالانسحاب من القمة إذا تطرقت لموضوع المواجهات العنيفة ضد إقليم (فطاني) المسلم، واعتبر تاكسين الاضطرابات الدائرة في الجنوب الذي يضم الأقاليم ذات الأغلبية المسلمة في البلاد مسألة «داخلية» ينبغي عدم بحثها في قمة آسيان.
ماذا يجري لمسلمي تايلاند ؟!
لم تكن المواجهات التي اندلعت يوم 28-4-2004 بين قوات الأمن التايلاندية ومسلحين مسلمين ينتمون إلى (حركة تحرير فطاني المتحدة "بولو" ) في مدينة فطاني جنوب تايلاند ("باتني" كما يسميها الإعلام الغربي ) والتي قتل خلالها 108 من الشباب المسلم ، سوى حلقة من حلقات الصراع بين مسلمي تايلاند المطالبين بالانفصال وتحسين أحوالهم المعيشية السيئة في الجنوب.
ولم يكن العنف غير المبرر الذي لجأت إليه قوات الأمن التايلاندية تجاه الشبان المسلمين المسلحين الذين هاجموا مراكز للشرطة بسبب الممارسات الأمنية التعسفية ضد مسلمي الإقليم ، لحد قصف 30 منهم تحصنوا داخل مسجد وهدمه على أشلائهم، سوى تعبير عن حالة من الهلع الشديد من جانب الحكومة البوذية تجاه تنامي دور التيار الإسلامي في هذا الإقليم الجنوبي والاستفادة من أجواء العداء الدولي ضد المسلمين لقمع أي تمرد أو انفصال يسعى إليه مسلمو الإقليم .
فإقليم فطاني الذي يقع بين تايلاند وماليزيا ويضم 18% من سكان تايلاند ( حوالي5- 8 ملايين مسلم) تنشط به منذ عشرات السنين حركة إسلامية قوية تدعو لإنشاء دولة إسلامية تضم أقاليم (يالا وباتاني وناراثيوات) ذات الأغلبية المسلمة في الجنوب ، وهناك مناوشات مستمرة بين الحكومة التايلاندية البوذية وهؤلاء المسلمين تصل لحد الانتهاكات الصارخة لحقوقهم وتعذيبهم .
وسبق أن أصدرت منظمات دولية تقارير عن اضطهاد مسلمي فطاني ، كان آخرها تقرير لجماعة هيومان رايتس ووتش الحقوقية ومقرها نيويورك دعت فيه تايلاند لبدء تحقيقًا فيما أسمته ضرورة "المستوى المرتفع من القوة المميتة " في الأحداث الأخيرة حيث أكد شهود عيان أنه كان من الممكن تسوية الأمر سلميًا واستسلام المهاجمين أو إجهاض الهجوم الذي علمت به قوات الأمن من جواسيس مسبقًا ، ولكن الحكومة اختارت أسلوب القوة وهدمت مسجد "كروي سي" على رؤوس المسلمين وحشدت فرقتين مدرعتين كاملتين في الإقليم لإرهاب المسلمين .
السياحة سر الصدام !
وتتميز مناطق جنوب تايلاند بأنها من المناطق السياحية الهامة في البلاد ويرتادها سياح غربيون بكثرة خاصة أنها تقع على الحدود مع ماليزيا أكبر نمور آسيا تقدمًا اقتصاديًا، ولكن هذه السياحة ترتبط بانتشار الرذيلة وتجارة الجنس التي تنتشر في تايلاند بشكل وبائي ، كما ترتبط بمئات الخمارات وأندية الليل التي تدمر حياة مسلمي الإقليم وتتعارض مع تعاليم دينهم .
وقد سعت حركة تحرير فطاني (بولو) عدة مرات لمعارضة هذه السياحة المدمرة ، وحث بيان منسوب لحركة بولو الإسلامية -وهي اختصار لمنظمة تحرير باتاني المتحدة- شعب مالاي في جنوب تايلاند والمسلمين في أرجاء البلاد على إتباع التعاليم الإسلامية.
وعلى سبيل المثال حذر بيان نشره موقع الحركة على الإنترنت يوم 7 مايو 2004 المسلمين من ارتياد أماكن مثل الحانات والملاهي الليلية والحفلات الموسيقية وطلبوا منهم بدلاً من ذلك البقاء في منازلهم أو في المساجد ، وقال البيان: "إذا اتبعتم هذه التعليمات ستعيشون في سعادة".
ويبدو أن تصاعد انتشار الرذيلة في الإقليم المسلم وعدم التفات الحكومة أو مراعاتها مشاعر المسلمين هناك كانت وراء لجوء شباب من حركة التحرير إلى الهجوم الأخير على عدة مراكز للشرطة ، الأمر الذي استدعى هذا الرد العنيف من جانب الجيش التايلندي خشية انهيار صناعة السياحة في هذه المنطقة الهامة التي تعتبر مكان سياحي جيد ولكن لا يستفيد منها مسلمو الإقليم .
وقد حذرت عدة حكومات غربية رعاياها من السفر إلى الأقاليم الجنوبية من تايلاند عقب هذه المواجهات الأخيرة ، ما يؤكد أن المعركة الأخيرة جاءت على خلفية السياحة في المنطقة رغم محاولات الحكومة هناك تصوير المهاجمين على أنهم مجموعة من اللصوص وقطاع الطرق ، مثل إعلان تاكسين شيناواترا رئيس الحكومة : "إن الهدف من الهجوم كان "سرقة أسلحة قوات الأمن لإعادة بيعها" !!.
سلسلة من المواجهات المستمرة
ومع أن المواجهات الأخيرة هي أخطر هذه المواجهات بين الجيش التايلندي ومسلمي الإقليم بسبب قتل 108 من المسلمين وإصابة واعتقال آخرين ، فهي لم تكن هي الأولى ولن تكون الأخيرة بسبب الجذور التاريخية للمشكلة والتي تمتد إلى مملكة فطاني الإسلامية التي نشأت في القرن الثامن الهجري .
فقد سبق هذا مواجهات أخرى قريبة في يناير 2004، حيث اندلعت اشتباكات لم تعرف أسبابها أدت إلى سقوط نحو 60 قتيلاً في المناطق المسلمة الجنوبية المحاذية لماليزيا ، حيث شنت قوات الجيش التايلاندي حملة اعتقالات واسعة شملت عشرات المسلمين للاشتباه في علاقتهم بـ"إرهابيين"، ووضعتهم قيد الاعتقال بدون محاكمة وهو ما أثار سخط المسلمين في الجنوب .
كما اعتقلت تايلاند يوم 11-8-2003 القيادي البارز بالجماعة الإسلامية الآسيوية رضوان بن عصام الدين المعروف باسم "الحنبلي" الذي تتهمه واشنطن بأنه العقل المدبر لتفجيرات بالي في أكتوبر 2002 وفندق ماريوت بجاكرتا في أغسطس 2003، وتزامن ذلك مع عمليات مداهمة شملت عددًا من المساجد والمدارس وعددًا من القرى النائية، وهي العمليات التي أثارت استياء شديدًا بين المسلمين هناك .
وقد صرح "ساد أريفين جهماه" رئيس لجنة (يالا) الإسلامية، في مؤتمر صحفي عقده مؤخرًا، بأن ما يدعم التوتر في المنطقة هو عمليات البحث والتفتيش التي تشنها السلطات في المدارس والمباني الإسلامية بحثًا عن "الأشخاص الذين يرتدون ملابس بيضاء ويطلقون لحاهم" ، كما ذكر عدد من المسلمين من ولاية كيلانتان الماليزية الحدودية المجاورة لتايلاند أن "العديد من زعماء المسلمين في تايلاند أبدوا مخاوفهم على أمنهم الشخصي، وسعوا مؤخرًا إلى اللجوء إلى ماليزيا".
وقد نفى وجهاء إقليم فطاني مزاعم الحكومة عن وجود إرهابيين وقالوا: إنها حجة وفرصة اتبعتها كل الحكومات التي لديها أقلية مسلمة (مثل الفليبين والصين وغيرها) للتخلص من حركات التحرر الإسلامية في هذه الأقاليم تحت ستار شعار (محاربة الإرهاب) الذي رفعته الولايات المتحدة الأمريكية!
وفي هذا الصدد نُقل عن الكاتب التايلاندي المسلم "منصور صالح" المقيم بمنطقة جنوب تايلاند قوله : "لا يوجد إرهابيون في جنوب تايلاند.. كما لا يوجد أشخاص مقربون من تنظيمي القاعدة أو الجماعة الإسلامية -الذي ينبغي أن لا يسمى بالجماعة الإسلامية بأي حال من الأحوال - في المنطقة".
وأضاف صالح أنه "ليس كل المسلمين (في تايلاند) مقاتلين، ولكن هناك من هم بالفعل منخرطون في تنظيم محلي يدعى "المجاهدين" وهم مجموعة على أتم الاستعداد للموت من أجل قضية الانفصال.. ونحن لا يمكننا أن نوقف تلك النزعة طالما أنه لا يوجد القدر الكافي من التنمية التي تساعد مسلمي الجنوب على التقدم.
وزاد الأمر سوءًا انتشار الملاهي والخمارات وبيوت الدعارة في وقت يشعر فيه مسلمو تايلاند بالغضب من عدم اعتراف الدولة رسميًّا بلغتهم وثقافتهم وعرقيتهم المالاوية الإسلامية على الرغم من مرور أكثر من 102 سنة على ضم حكومة تايلاند (مملكة سيام في ذلك الوقت) ، مملكة باتاني (فطاني) الإسلامية (جنوب تايلاند) إليها عام 1902.
المسلمون من مملكة فطاني إلى أقلية! تاريخ مملكة فطاني المسلمة( من الإسلام إلى الاحتلال)
وتقع منطقة فطاني بين ماليزيا وتايلاند ويرجع أصل سكانها للمجموعة الملايوية المسلمة ، ويتكلمون اللغة الملايوية ويكتبونها حتى الآن بأحرف عربية بسبب أصولهم العربية منذ نشأة مملكة فطاني الإسلامية في القرن الثامن الهجري .
وتقول المراجع التاريخية أن الإسلام وصل إلى فطاني عن طريق التجارة في القرن الخامس الهجري وأخذ في التنامي حتى صارت المنطقة كلها إسلامية وتحت حكم المسلمين في القرن الثامن الهجري وصارت فطاني مملكة إسلامية خالصة ومستقلة.
وعندما احتل البرتغاليون الصليبيون تايلاند أوعزوا إلى قادة تايلاند بحتمية احتلال فطاني للقضاء على سلطنة الإسلام بها ولابتلاع خيراتها فقام التايلاندون باحتلال فطاني سنة 917هـ ولكنهم ما لبثوا أن خرجوا منها بعد قليل تحت ضغط المقاومة الإسلامية.
ومع انتشار الاحتلال الإنجليزي في المنطقة الآسيوية ، دخل الإنجليز تايلاند وفطاني ، وقمعوا بدورهم مملكة فطاني ومسلميها، وأضعفوا الإقليم مما مهد الطريق أمام مملكة تايلاند (مملكة سيام) لضم فطاني رسمياً لها سنة 1320هـ ( 1902 ميلادية) بعد سلسلة طويلة من الثورات والمقاومة الباسلة من المسلمين وكان هذا الضم إيذاناً بعهد جديد في الصراع بين المسلمين وأعدائهم البوذيين في تايلاند .
وتشير المراجع التاريخية إلى أن إقليم فطاني لم ينضم بسهولة ويخضع لمملكة تايلاند سوى بالحديد والنار ، حيث اندلعت العديد من الثورات التي قادها أمراء مسلمون آخرها ثورة الأمير عبد القادر ، وهو آخر ملوك فطاني المسلمين، والذي تقدم بقيادة الثورة سنة 1321هـ بعد سنة واحدة فقط من الضم وتعرض للاعتقال واندلعت الثورة بفطاني على إثر ذلك ، ولكن التايلانديين قمعوها بمنتهى الوحشية بمساعدة قوية من الإنجليز.
انقلاب عسكري في تايلاند ومطالب إسلامية
وعندما تحول الحكم من ملكي إلى جمهوري عقب الانقلاب العسكري عام 1933 م ( سنة 1351هـ) الذي أطاح بالملكية وتردد أن هل فطاني لعبوا دورًا في نجاحه للتخلص من الحكم الملكي الذي اضطهدهم ، وسعى مسلمو المناطق الإسلامية الأربعة (فطانى - جالا - ساتول – بنغارا) ذات الأغلبية المسلمة في جنوب تايلاند للمطالبة بعدة حقوق لهم في عريضة قدموها للحكومة الجديدة كان أبرز ما فيها:
1- تعيين حاكم واحد على المديريات الأربعة المسلمة عن طريق أهل البلاد ويكون مسلماً.
2- أن يدين 80% من موظفي الحكومة بفطاني بالإسلام.
3- أن تكون اللغة الملايوية هي لغة التعليم بالمدارس واللغة الرسمية لأهل فطاني.
4- تطبيق الشريعة الإسلامية.
5- تكوين مجلس أعلى إسلامي لتسيير شؤون المسلمين.
حكم عسكري ضد المسلمين
ولكن جاءت الريح بما لا يشتهي المسلمون وتحول الحكم العسكري إلى واقع مرير للمسلمين ليس لأنه تجاهل مطالبهم ، ولكنه سعى لمسخ هويتهم تمامًا وإذابتهم داخل الدولة ، حيث أصدر الفريق أول (سنقرام) الذي تولي السلطة في تايلاند قرارات بتغيير الأسماء المسلمة إلى تايلندية ومنع لبس الثوب الأبيض المميز للمسلمين وغطاء الرأس للنساء، وتحريم استعمال اللغة الملايوية ذات الحروف العربية، وأغلقت أبواب المدارس والجامعات أمام الفطانيين وكذلك المناصب الحكومية والجيش والشرطة، وأغلقت الجوامع والمساجد وحرم التبليغ والتبشير بالدين الإسلامي .
وقد توالت على الإقليم المسلم عدة ثورات ومحاولات من جانب المسلمين لإعادة المطالبة بحقوقهم واجهتها السلطات هناك بالقمع والاعتقال لكل من قاد المطالبة بهذه الحقوق ، مثل حركة الحاج محمد سولونج أحد العلماء المسلمين بفطاني الذي طالب عمل بعدم إخراج محصولات وموارد فطاني خارجها واستهلاكها محلياً واعتقل وحكم عليه بثلاث سنوات ، ثم قتلوه!.
ولذلك لم تكن انتفاضة الشباب المسلم الأخيرة ومهاجمة مراكز للشرطة سوى جزء من محاولة لفت الأنظار إلى قضية مسلمي الإقليم الذين لم يعودوا يطالبون بالانفصال بقدر ما يطالبون بأقل حقوق الإنسان الضرورية المحرومين منها، مثل حقهم في تعلم دينهم والتعلم بلغاتهم الملاوية ومراعاة عاداتهم وتقاليدهم الإسلامية.
ولن يهدأ مسلمو الإقليم على الرغم من القمع الدوري لهم ومحاولات تصفية قضيتهم تمامًا ، وسيستمرون في نضالهم من أجل الحصول على حقوقهم.
مأساة مسلمي تايلاند
وتكشف تلك التداعيات عن مأساة مسلمي تايلاند البالغ تعدادهم من 5 ـ 8 مليون مسلم أي نحو 10% من تعداد السكان والذين يتركز أغلبهم في الجنوب المسمى (فطاني) والذين باتوا وليمة دموية صباح مساء لحكومة تايلاند، وسط صمت العالم وتجاهل المسلمين وهلع الحكومة التايلاندية من المسلمين واستغلالها المظاهرة العالمية لمكافحة الإرهاب.
ودون الرجوع لتاريخ المسلمين الدامي في مملكة فطاني المسلمة من تهجير للتايلانديين إلى الجنوب وطرد أهاليه المسلمين، وتصفية العلماء، وإجبار المسلمين على ارتداء الصليب وحرق المصاحف، وإغلاق المدارس الإسلامية، شهد عام 2004م عدة مجازر بحق المسلمين في هذا الإقليم. وأسفرت المواجهات في جنوبي تايلاند عن سقوط نحو 600 قتيل على الأقل منذ مطلع العام الحالي، ففي شهر يناير اندلعت اشتباكات لم تعرف أسبابها أدت إلى سقوط نحو 60 قتيلاً في المناطق المسلمة الجنوبية المحاذية لماليزيا عندما شنت قوات الجيش التايلاندي حملة اعتقالات واسعة شملت عشرات المسلمين للاشتباه في علاقتهم بـ «إرهابيين»، ووضعتهم قيد الاعتقال بدون محاكمة وهو ما أثار سخط المسلمين في الجنوب. وفي أبريل الماضي حصلت مجزرة في مسجد باتاني راح ضحيتها 95 شخصاً، بعد أن هدمت قوات الشرطة المسجد على أشلاء المسلمين. وفي الخامس والعشرين من أكتوبر 2004م كان نحو 3000 مسلم نظموا مظاهرة أمام أحد مراكز شرطة ولاية (ناراثيوات) ذات الأغلبية المسلمة جنوب البلاد احتجاجاً على اعتقال 6 مسؤولين محليين بتهمة دعـم ما تصـفه الحكومة بـ (الجماعات المتمردة المسلحة) في جنوب البلاد، إلا أن قوات الشرطة والجيش تدخلت لقمع المتظاهرين؛ وهو ما أسفر عن مقتل 6 أشخاص، بعدما استخدمت قوات الجيش والشرطة الذخيرة الحية والغازات المسيلة للدموع وخراطيم المياه.
وقامت قوى الأمن بحشر 1300 من المتظاهرين داخل شاحنات لنقلهم إلى ثكنات عسكرية في مدينة باتاني لاستجوابهم، وتم إرغام المعتقلين على التمدد على الأرض ووجوههم إلى الأسفل وأيديهم مقيدة خلف ظهورهم قبل وضع بعضهم فوق بعض في الشاحنات مما أدى لمقتل 84 مسلماً. ومع أن المواجهات الأخيرة هي أخطر هذه المواجهات بين الجيش التايلاندي ومسلمي الإقليم، وقبلهم 108 من المسلمين، وإصابة واعتقال آخرين، فإنها لم تكن الأولى ولن تكون الأخيرة بسبب الجذور التاريخية للمشكلة التي تمتد إلى مملكة فطاني الإسلامية التي نشأت في القرن الثامن الهجري.
فطاني بلد إسلامية
وبالعودة لجذور الأزمة يتبين لنا أن فطاني هي المنطقة الواقعة بين ماليزيا وتايلاند، ويرجع أصل سكانها للمجموعة الملايوية ويتكلمون اللغة الملايوية ويكتبونها حتى الآن بأحرف عربية، ووصل الإسلام إلى فطاني عن طريق التجارة في القرن الخامس الهجري، وأخذ في التنامي حتى صارت المنطقة كلها إسلامية وتحت حكم المسلمين في القرن الثامن الهجري وصارت فطاني مملكة إسلامية خالصة ومستقلة. وعندما احتل البرتغاليون تايلاند أوعزوا إلى قادة تايلاند بحتمية احتلال فطاني للقضاء على سلطنة الإسلام بها ولابتلاع خيراتها فقام التايلانديون باحتلال فطاني سنة 917 هـ ولكنهم ما لبثوا أن خرجوا منها تحت ضغط المقاومة الإسلامية. ولكن الصليبية العالمية لم تكن لتهدأ ويرتاح لها بال ما دام للإسلام دولة بتلك البقاع السحرية من العالم، فدخل الإنجليز حلبة الصراع ودعموا التايلانديين البوذيين للهجوم على فطاني وقمع الثورات وتهجير المسلمين من البلد حتى أعلنت تايلاند ضم فطاني رسمياً لها سنة 1320هـ بعد سلسلة طويلة من الثورات والمقاومة الباسلة من المسلمين، وكان هذا الضم إيذاناً بعهد جديد في الصراع بين المسلمين وأعدائهم.
وسائل محاربة المسلمين
وفي سياق دراسة تاريخ مسلمي تايلاند تعتبر تايلاند في حكم الدولة المحتلة المستعمرة لأرض فطاني التي كانت بلداً مسلماً لفترة طويلة؛ لذلك فإن أساليب تايلاند في محاربة المسلمين لا تختلف كثيراً عن أساليب الاستعمار في أفريقيا وآسيا والدول المسلمة، ومن تلك الأساليب:
التهجير: حيث عملت تايلاند على إقامة معسكرات لاستقبال وتوطين المهاجرين التايلانديين وتستولي على أخصب البقاع وتمدهم بالمرافق اللازمة، وهذه الهجرة تؤدي إلى آثار خطيرة منها: إضعاف نسبة المسلمين في هذا البلد ورفع نسبة البوذيين، واتخاذ هؤلاء المهاجرين الجدد كأداة لنشر الثقافة والعادات البوذية واستخدامهم أيضاً جواسيس وعيوناً لنقل أخبار المقاومة الفطانية وعند حدوث الصدامات يستخدمونهم جنوداً ومقاتلين بالإضافة إلى تحقيق السيطرة الاقتصادية على الموارد والأراضي الزراعية، ومن ثَم إفقار الشعب الفطاني فلا يستطيع المقاومة والكفاح المسلح، ويكون جل همه تدبير موارد الرزق اليومية.
التعليم: قامت تايلاند بفرض التعليم باللغة السيامية بعدما كانت تدرس باللغة الملايوية، وأحضروا مدرسين تايلانديين، وجعلوا المناهج فيها تخدم مصالحهم، وقامت بإغلاق الكتاتيب التي تعلم القرآن والقراءة والكتابة، وعلى الطلاب الذين يريدون الانتساب إلى مدارس الحكومة أن يغير أحدهم اسمه العربي أو الملايوي إلى اسم سيامي بوذي، واشترطت على هؤلاء الخريجين من المدارس الفطانية أن يجيدوا القراءة والكتابة بالتايلاندية؛ وإلا فلا قيمة لشهاداتهم أبداً، وعمدت تايلاند إلى إهمال التربية الدينية وتعيين مدرسين موالين لها يجهلون الإسلام في مناصب التعليم الإسلامي لينشأ عن ذلك كله أجيال بعيدة كل البعد عن الدين والهوية الإسلامية.
إثارة الخلافات: بالعمل على بث الفرقة والخصومات بين العلماء، وإثارة الفتن بين أتباع المذاهب الفقهية، وإثارة الخلافات بين المدن والمناطق والسكان.
نشر الفواحش: حيث تعتبر تايلاند رائدة سياحة الدعارة على مستوى العالم بأسره، وهي من ثَم تعمل على نشر المفاسد بين المسلمين بإقامة بيوت الدعارة المرخصة والملاهي الليلية وتعليم الرقص في المدارس.
التعمية والتعتيم الإعلامي: بقطع كل أخبار مسلمي فطاني عن العالم الخارجي ومنع دخول المسلمين من خارج فطاني إليها.
دور اليهود: حيث استقدمت الحكومة التايلاندية عدداً من المدرسين اليهود من فلسطين وذلك لبث كراهية العرب في النفوس ومن ثم كراهية المسلمين عامة، ثم تقوم تايلاند بنشر الدعاية المسمومة التي مفادها أن أهل فطاني يفضلون المدرسين اليهود على غيرهم في التعليم والثقافة فتُعرِض الحكومات المسلمة عن تقديم أي مساعدات لأهل فطاني.
التحريف: لكتاب الله ـ عز وجل ـ وأحاديث الرسول صلى الله عليه وسلم أثناء ترجمتها إلى اللغة التايلاندية ليضلوا المسلمين ويصدوا من يريد الدخول في الإسلام من البوذيين.
إفساد العقيدة الإسلامية: بالسماح بالدعاية للقاديانية وهي فرقة خارجة عن الإسلام بالعمل داخل فطاني لإفساد عقائد المسلمين وإيقاع الفرقة والاقتتال بينهم.
صور أخرى للاضطهاد: ومن أبرز مظاهر الاضطهاد أن الحكومة البوذية التي فرضتها تايلاند، عملت بعد أن أزاحت السلطان المسلم (تنكو عبد القادر)، على محو الطابع الإسلامي من البلاد بإرغام الشعب المسلم فيها على اتخاذ الأسماء والألبسة والتقاليد البوذية، واستعمال اللغة التايلاندية. وألغت المحاكم الشرعية، ثم سمحت بعد غضب الشعب وهياجه للقضاة المسلمين بالجلوس في المحاكم المدنية لسماع القضايا المتعلقة بالأحوال الشخصية للمسلمين.
وعملت الحكومة على توطين البوذيين في المناطق الإسلامية، وبنت لهم أكثر من 70 مستوطنة يسكنها حوالي 180 ألف بوذي، وبنت القواعد العسكرية في فطاني، ولا سيما في القرى القريبة من (جبال بودور) مركز عمليات المجاهدين المسلمين، وقامت بتصفية العلماء والدعاة جسدياً أو تهديدهم وإهانتهم وتشريدهم مما اضطر فريقاً منهم إلى الهجرة واللجوء إلى ماليزيا. كما تقوم بإحراق الأحياء الإسلامية والقتل الجماعي؛ ففي حادث بشع قامت القوات التايلاندية بحرق (100) شاب مسلم بالبنزين، وصرح رئيس البوليس في المنطقة بأن حياة المسلم لا تساوي 26 سنتاً فقط (ثمن الرصاصة).
كذلك حرمت حكومة بانكوك المسلمين من ثروات بلادهم، كما حرمتهم المراكز الهامة والوظائف الحكومية وكافة الحقوق التي يتمتع بها مواطنو تايلاند، وعرضتهم لألوان الذل والقهر والاستعباد.
تاريخ طويل من الكفاح
بدأت رحلة الكفاح الهائلة منذ أن أعلنت تايلاند ضم فطاني لها واعتبرتها مديرية تايلاندية في سنة 1320هـ، فقام الأمير (عبد القادر) وهو آخر ملوك فطاني المسلمين بقيادة الثورة سنة 1321هـ بعد سنة واحدة فقط من الضم، وتعرض للاعتقال، واندلعت الثورة بفطاني على إثر ذلك، ولكن التايلانديين قمعوها بمنتهى الوحشية بمساعدة قوية من الإنجليز.
ومع الانقلاب العسكري سنة 1351هـ الذي أطاح بالملكية في تايلاند والذي دعمه مسلمو فطاني الذين استغلوا الفرصة وقدموا عريضة بمطالبهم من الحكومة الجديدة، وتتلخص هذه المطالب بالتالي:
1 - تعيين حاكم واحد على المديريات الأربعة المسلمة عن طريق أهل البلاد، ويكون مسلماً.
2 - أن يكون 80% من موظفي حكومة فطاني ممن يدينون بالإسلام.
3 - أن تكون اللغة الملايوية هي لغة التعليم بالمدارس واللغة الرسمية لأهل فطاني.
4 - تطبيق الشريعة الإسلامية.
5 - تكوين مجلس أعلى إسلامي لتسيير شؤون المسلمين.
ولكن الريح جاءت بما لا يشتهي المسلمون، وتحول الحكم العسكري إلى واقع مرير للمسلمين؛ ليس لأنه تجاهل مطالبهم؛ ولكن لأنه سعى إلى مسخ هويتهم تماماً، وإذابتهم داخل الدولة؛ حيث أصدر الفريق أول (سنقرام) ـ الذي تولى السلطة في تايلاند ـ قرارات بتغيير الأسماء المسلمة إلى تايلندية، ومنع لبس الجلباب الأبيض المميز للمسلمين وغطاء الرأس للنساء، وتحريم استعمال اللغة الملايوية ذات الحروف العربية، وأغلقت أبواب المدارس والجامعات أمام الفطانيين، وكذلك المناصب الحكومية والجيش والشرطة، وأغلقت الجوامع والمساجد، وحرم التبليغ والتبشير بالدين الإسلامي.
وقد توالت على الإقليم المسلم عدة ثورات ومحاولات من جانب المسلمين لإعادة المطالبة بحقوقهم، واجهتها السلطات هناك بالقمع والاعتقال لكل من قاد المطالبة بهذه الحقوق، مثل: حركة الحاج محمد سولونج ـ أحد العلماء المسلمين بفطاني ـ والذي عمل على تكثيف جهود المسلمين سنة 1367هـ ورفع عريضة مطالب للحكومة البوذية بتايلاند يطالب فيها بنفس المطالب السالف ذكرها مع إضافة بند عدم إخراج محصولات وموارد فطاني خارجها واستهلاكها محلياً، وقام الحاج محمد برفع عريضة الدعوى في نفس السنة إلى الأمم المتحدة ولأول مرة تثار قضية فطاني في المحافل الدولية، وبسبب ذلك قبض على الحاج محمد سولونج ورفاقه وحكم عليهم بثلاث سنوات ولكنهم ما لبثوا أن اغتيلوا سراً في 14/12/1373هـ.
المقاومة طريق الحرية
وبعد أن تلاشت فرص مسلمي فطاني في تحقيق حلم الدولة المستقلة للمسلمين هبَّ الشعب الفطاني يجاهد لاستقلال بلاده، وأسس جبهات التحرير التي انضوى في صفوفها كثير من الشباب المسلم، وأخذ يقاتل على أرض فطاني، في جبال بودور الشاهقة، وبين الغابات والأدغال المتشابكة المجاورة لماليزيا، وبدأت عمليات المقاومة عام 1950م، ولا تزال حتى الآن تواجه أشد الظروف، وتتحدى المصاعب وحدها.
ومن أهم حركات المقاومة التي تواجه عنف حكومة تايلاند وإجراءاتها القمعية ضد المسلمين: (الجبهة الوطنية لتحرير فطاني) التي تأسست عام 1960م وهي أول جبهة أنشئت في فطاني، وتدعو إلى تنظيم المجتمع الإسلامي، ووسيلتها حرب العصابات، وكذلك (المنظمة المتحدة لتحرير فطاني) التي تأسست عام 1968م وتتبع أساليب العنف ضد الحكومة البوذية. وتوجد أيضاً (الجبهة الوطنية لتحرير فطاني) التي تأسست عام 1970م وتنادي بالاستقلال على أن يكون نظام الحكم ملكياً، ومعظم قادتها في الخارج. وهناك كذلك (الحركة الإسلامية الفطانية) التي تأسست عام 1975م على يد عدد من العلماء، وقد قامت بنشاط إعلامي للتعريف بقضية فطاني.
0 commentaires:
Enregistrer un commentaire